لا يقتصر موسم الحج على أداء ملايين الأفراد الشعائر المقدسة، لكن خلفهم ألوفًا مؤلفة من البشر يعينونهم على أداء المهمة بنجاح عبر تنفيذ عشرات الخدمات اللوجستية في كواليس هذا المشهد المهيب.
في سبيل النجاح في أداء الفريضة المقدسة فإن البعض يحرم نفسه من أدائها ليُقدم من الخدمات التي تعين الباقين على استكمال الحج بسهولة ويُسر. في هذا التقرير نستعرض قصص البعض منهم.
«شرف وتاج على الرأس خدمتي لضيوف الرحمن وحجاج بيت الله»، بتلك الكلمات بدأ محمد بركات سائق حافلة لخدمات الحجاج، الذي اعتاد معاونتهم في أداء المناسك خلال السنوات الفائتة.
يقول بركات: «دوري سائق وخادم لضيوف الرحمن هو مساعدتهم في كل ما يحتاجون إليه من خدمات شخصية والإرشاد للأماكن الإسلامية، وفي أوقات كثيرة يسأل الحجاج عن تاريخ منطقة معينة أو شارع محدد نمر عليه أثناء رحلتنا، وأقوم بالحديث معهم عن الأحداث التي تمت في هذه المناطق».
يضيف السائق، أنه حصل على تدريبات لكيفية التعامل مع الحجاج، وتلك التدريبات تكون في الشركات داخل المملكة، ولكن الاختبارات كانت قبل السفر وتمت في مصر وتكون بهدف التأكد من أن الشخص سائق محترف، بجانب ذلك خضع لكشف طبي دقيق على صحة القلب وجميع الأمراض عن طريق الأشعة والتحاليل الطبية.
ويتابع بركات، تجربتي بالعمل بدأت في مصر من خلال العمل بكبرى شركات السياحة وعلى أحدث الأتوبيسات، وعقب ذلك التحقت بخدمات الحجاج عن طريق مكاتب تخص شركات سفريات تعمل تحديدًا في مجال خدمات الحجاج، وتم التحاقي بهذا الشرف وهو خدمة ضيوف الرحمن بعد امتحانات صارمة واختبارات احترافية عن القيادة والتأكد من الكفاءة العامة لشخصيتي وقُدرتي على تنفيذ هذه المهمة.
ويؤكد بركات أن العمل مع الحجاج يحتاج إلى صبر كبير وأسلوب هادئ للتعامل مع مختلف الجنسيات وطباع مختلفة وعادات تتباين من بلدٍ لآخر، متابعًا، «علينا كسائقين التعامل معهم بأسلوب لائق بجانب توفير الراحة والأمان لهم خلال تنقلاتهم».
وحول أبرز الصعوبات التي تواجههم كعمال في خدمة الحجاج، قال بركات: «إنها بالطبع الازدحام فكأننا نعمل في يوم الحشر فعلًا، ازدحام مميت ورهيب»، متابعًا، «هناك عديد من الموتى وبخاصة في فئة كبار السن الذين ليست لديهم القدرة على الوجود في أماكن مزدحمة بجانب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، ومع شدة الازدحام يقل الأكسجين ويصبح الوضع أكثر صعوبة مما تتخيل».
ويتابع، أن الوضع كان أكثر خطورة على الحجاج الذين أتوا إلى المملكة هذا العام من دون تصريح حج فهم قطعوا عشرات الكيلومترات مشيًا على الأقدام بين مِنى وعرفة ومزدلفة ورمي الجمرات وهم كبار السن في الحر الشديد، قائلًا: «لا أبالغ إن قلت إن أكثرهم ماتوا».
ويضيف السائق خلال حديثه معنا: «أصعب يوم هو يوم عرفة يكون كيوم القيامة، ازدحام شديد جدًا جدًا، الطريق يحتاج لربع ساعة فقط، ولكن لشدة الازدحام نقضي أكثر من سبع ساعات، ولذلك هناك سيارات لا تتحمل ارتفاع الحرارة وتتعطل على الطريق».
التحق عمرو عجور بخدمة الحجاج لأول مرة هذا العام من خلال تعاقد البنك الإسلامي بالمملكة العربية السعودية مع إحدى الشركات المصرية، خضع لبعض الإجراءات الروتينية من تحضير أوراق السفر وكشف طبي وغيره.
يقول عجور: «خضعنا لتدريبات عملية ونظرية عند وصولنا الأراضي السعودية على كيفية الذبح والتقطيع والتعبئة وغيرها، كنت عاملًا في مجزر المعصم 2 بالمنطقة الخضراء، تم تدريبنا نظريًا لمدة يوم قبل أيام من يوم عرفة، عن كيفية الذبح والتقطيع وكافة المراحل التي تمر بها الأضحية حتى وصولها لمستحقيها، وباليوم العملي كل مجموعة تدربت على ذبح وتقطيع وتكفين أكثر من 20 خروفًا».
يضيف الجزار المصري، كان يومنا يبدأ بالتجمع في تمام التاسعة صباحًا، يقوم المشرف بتوزيعنا كل واحد في مكانه ووظيفته، كنا بمجزر المعصم 2 أكثر من 1600 شخص من الجنسيات المصرية والتركية، داخل المجزر تم توزيعنا على العمل، كنت التحقت بقسم التكفين (قسم خاص بتعبئة الخروف كاملًا بعد الذبح بطريقة معينة من خلال تغطيته بقطعة من القماش الأبيض ووضعه بالثلاجة)، وفي داخل المجزر هناك أكثر من مهمة بداية من الذبح، التقطيع، التكفين، وعمال نقل الأضاحي من الحظيرة وصولًا إلى المجزر، كل مهمة لها عمال مخصصون.
وتابع عجور، كان تعاملنا مع الحجاج بشكل غير مباشر من خلال البنك الإسلامي، ومن خلال ذلك يتم ذبح الأضاحي في أكثر من مجزر وتوزيع لحومها على فقراء مكة وجزء آخر خارج مكة، كنا نعمل 3 فترات يوميًا؛ اثنتين مخصصتين للمصريين والثالثة من نصيب الأتراك.
وأوضح، أنه من خلال عمله سُمح له بالحج عكس باقي فئات العمال والسائقين فهم ممنوعون من الحج، مشيرًا إلى أن بعض الممنوعين من الحج من خدم الحجاج اندسوا بين المسافرين من دون تصريح وأدّوا معهم شعائر الحج من دون موافقة رسمية.
قالت الناشطة السودانية حبيبة كباشي إن دورها في هذا العام هو التعاون مع أفواج المتطوعين من حول العالم لمساعدة الحجاج على أداء المناسك بسهولة.
وتابعت كباشي، «قمنا بمساعدة الحجاج في فهم مناسك الحج وتوجيههم حول كيفية أداء الفرائض بشكل صحيح، بما في ذلك الأدوار التي يجب أداؤها في مكة والمدينة المنورة، وهذه أول مرة أسافر للتطوع في خدمة ضيوف الرحمن فالحمد لله حمدًا كثيرًا».
وأشارت كباشي إلى أن كل المتطوعين يخضعون إلى ورشات عمل خاصة في مجال توجيه الحجاج في الطرق وأماكن التوقف والانطلاق للشعائر المقُدسة والعودة منها بهدف تسخير المتطوعين في خدمة الحجاج، لافتة إلى أنها التحقت بهذه المهمة عن طريق وزارة الحج والعمرة ووزارة الصحة السعودية.
وتابعت الناشطة السودانية أن تجربة خدمة الحجاج كانت تشمل تقديم المعلومات والتوجيهات للحجاج حول الأماكن المقدسة والطقوس الدينية، ومساعدتهم في حل أية مشكلات قد تطرأ عليهم في الطريق وتقديم الرعاية الصحية الأولية والإسعافات اللازمة للحجاج، مع التأكد من سلامتهم الصحية خلال رحلتهم، مع تولي بعض فرق المتطوعين التفاوض مع السلطات المحلية والمساعدة في حل أي مشكلات أو تسهيلات قد تواجه الحجاج أثناء إقامتهم.
وقالت كباشي: «كان هدفنا توفير بيئة آمنة ومريحة للحجاج، وتحسين تجربتهم الدينية والثقافية خلال رحلتهم لأداء مناسك الحج».
وتابعت، من الصعوبات التي قد تواجهنا كمتطوعين في خدمة الحج هي التعامل مع أوضاع الطوارئ مثل الحوادث أو التغييرات الجوية غير المتوقعة، إضافة إلى التحديات اللغوية والثقافية نظرًا لتنوع الحجاج من جميع أنحاء العالم التي تواجهنا باستمرار في تجربتنا برحلة الحج.